هل أصبح الزواج مسالة تجارة ؟

يقول رسول الله – صلى الله عليه و سلم - : " إذا أتاكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه ، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض و فساد عريض"

إن الناظر في أحوالنا هذه الأيام ليجد فرقا شاسعا بين ما كان عليه السلف الصالح و بين ما نحن عليه اليوم ؛ ذلك لأن الزواج في ذلك الزمان كان أمرا ميسورا ؛ إذ لم يعبأ أولئك الصالحون بالدنيا و زخرفها الزائل ، و لعل أجمل مثال على ذلك ما كان من العالم الصالح سعيد بن المسيب الذي زوج ابنته العالمة الحسناء لأحد تلاميذه الفقراء بدرهمين فقط و لم يزوجها للوليد بن عبد الملك حينما جاء خاطبا رغم أنه أعد لها مهرا يزنها ذهبا.

إلا أن ما يؤلم القلب في أيامنا هذه هو أن مسألة الزواج أصبحت أمرا معقدا يؤرق شبابنا و تحديدا ميسوري الحال ؛ حيث أصبحت المهور غالية جدا يفرضها الآباء كما يشاؤون بغض النظر عن خلق الشاب و دينه ، و حجتهم في ذلك هو أن الحياة أصبحت غالية جدا و أن أسعار الذهب في ارتفاع مستمر، و أذكر أنني سألت إحدى الأخوات الفاضلات عن مهرها فقالت لي إنه كان خمسة آلاف دينار مقدما ، ناهيك عن مستلزمات البيت و الأثاث و حفلات الخطبة و الأعراس و الولائم و تكاليفها التي ترهق الشاب و تجعله مضطرا للاستدانة لتغطية هذه المطالب. و لهذا فإنني أتساءل : لم هذه المغالاة في المهور و لم تلك المطالب التي لا داعي لها من الأساس؟ هل أصبح الزواج مسألة تجارة و بيع و شراء يتباهى فيها الناس و يقول الرجل منهم : إن ابنتي عزيزة جدا علي و لا أزوجها إلا لمن يقدر حقها . و إنني أقول لك أيها الأب بأنك اقترفت خطأ فادحا ؛ فما الذي يدريك بأن زوج ابنتك قد انكشفت حقيقته يوما ما ليصبح حينئذ غير الرجل الذي تمنيته لابنتك ، و حينئذ لن ينفع الندم. فكم فتيات يدعين على آباءهن لأنهم لم يزوجوهن أناسا صالحين.

إنني أقسم بالله العظيم أن مجمتعنا لم يكثر فيه العازبون و العانسات إلا بسبب التهافت غير المبرر على الدنيا و متاعها الزائل. فتذكروا جيدا أيها الآباء بأنكم ستقفون بين يدي الله تعالى و لا تأمنوا على أنفسكم أن تشكوكم بناتكم إليه جل جلاله ليأخذ بحقهن منكم يوم لا ينفع فيه لا درهم و لا دينار، و تذكروا أن الرزق بيد الله سبحانه و تعالى و أنه سيوسع بفضله على من يتزوجون بغية العفاف. " بل تؤثرون الحياة الدنيا * و الآخرة خير و أبقى "